في ضوء التغيرات التكنو-الاقتصادية والسياسية الجديدة، وبروز منظمات الضغط العالمي كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، هل يمكن للحكومة أن تبقى بمعزل عن التأثر والتأثير بمحيطها؟ وهل يستطيع رجالات الحكم في العالم العربي تنمية بلدانهم وقيادتها نحو الازدهار من دون المشاركة الفعالة للمواطن ومؤسسات الأعمال في عملية المنافسة على الساحة الدولية؟
وما هي مخاطر وجود الحكومة في الفضاء الإلكتروني وكيف يمكن تطوير الأمن الحكومي الكلاسيكي لكي يشمل مفاهيم الأمن المعلوماتي من أجل حماية حدود البلاد الإلكترونية؟ هذه الأسئلة وغيرها يحاول مؤلف هذا الكتاب الإجابة عنها.
حيث يعالج ذلك الكتاب موضوعاً شائكاً وجديداً على صعيد العالم وبالذات العالم العربي ألا وهو الحكومة الإلكترونية، ومن خلال فصوله يحاول المؤلف تسليط الضوء على إستراتيجيات نجاح هذه الحكومة، ومن ثم يستعرض نطاق عملها وجمهورها المستهدف، كما يتطرق لكيفية تصميم وتطبيق الحكومة الإلكترونية عبر تقديم إطار حكومة إلكترونية عربية موحد. ويتبع الكتاب منهجية متسلسلة من أجل استيعاب النموذج الإلكترو-حكومي وتطبيقه بنجاح.
الطريق نحو الحكومة الإلكترونية
ويحتوي هذا الكتاب على عدة فصول, الفصل الأول: الطريق نحو الحكومة الإلكترونية، يبدأ بتقديم الحكومة الكلاسيكية على أنها البنية الأساسية للنموذج الإلكتروني، وثم يقدم الحكومة الإلكترونية للقارئ، ويتطرق إلى جميع جوانبها وأقسامها بالإضافة إلى مراحل ارتقائها للوصول إلى مرحلة النضج.
ويقسم المؤلف عمليات الحكومة الإلكترونية إلى أقسام أربعة: الخدمات الالكترونية، وهي عبارة عن مجموعة الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة للمواطنين والمؤسسات ضمن التشريعات المعمول بها في البلاد.
القسم الثاني هو الديمقراطية الالكترونية والتي تتضمن عملية المشاركة الفعّالة للمواطن في عملية الحكم، من خلال الاطلاع على المعلومات الحكومية بطريقة شفافة عبر نشرها بطريقة مدروسة على الإنترنت، وتنشيط العملية الديمقراطية من خلال تشجيع نشر أجندات الأحزاب وإقامة المنتديات الإلكترو-حكومية التي تناقش سياسات الحكومة بشكل عام.
القسم الثالث يتحدث عن التجارة الحكومية الإلكترونية وإمكانية الاستفادة الربحية من خدمات الحكومة، أما القسم الرابع فيعالج موضوع تنمية المهارات الإدارية في القطاع العام من أجل مواكبة التغيير.
ويقول الكاتب في معرض حديثه عن مراحل النضج الإلكترو-حكومي أن الحكومة الكلاسيكية ينبغي أن تتبع منهجاً ارتقائيا خلال مراحل تحولها من النموذج الكلاسيكي إلى الإلكتروني، وذلك من أجل تمكين المواطن من استيعاب التغيرات والموظف الحكومي من الاعتياد على الأساليب الحكومية الجديدة، ومن المهم أن تمر الحكومة في مخاض تلك المراحل الارتقائية من أجل ولادة سليمة.
ويبشر المؤلف بموت الحكومة الكلاسيكية ونماذجها في السنوات المقبلة، حيث لن تكون تلك النماذج قادرة على الاندماج في محيطاتها الاقتصادية والاجتماعية الخارجية التي تتسارع على نحو مذهل لدخول فضاء المجتمع المعلوماتي, وإذا لم تتخذ الحكومات ردود فعل إستراتيجية للدفاع عن وجودها فمن الممكن كثيراً أن تفقد الكثير من تأثيرها بالاقتصاد والشعب ضمن نطاق حكمها.
ويستطرد الكاتب ليقول إن الحكومة الإلكترونية لم تظهر مطلقاً من باب الترف المعلوماتي وإنما جاءت كأحد الردود الإستراتيجية من قبل الحكومة الكلاسيكية للدفاع عن وجودها في ضوء ما يحدث وسوف يحدث في محيط الحكومة من تغيرات.
إستراتيجيات النجاح والإطار المرجعي
الفصل الثاني “إستراتيجيات نجاح الحكومة الإلكترونية”: بعد التقديم الوافي والشامل للحكومة الإلكترونية يشرح أهم إستراتيجيات نجاح ذلك النموذج عبر تقديم مجموعة من خمس باقات إستراتيجية على المستوى التخطيطي والتشريعي والتقني والاجتماعي والإداري، كخطة عمل إستراتيجية لأي حكومة عربية تريد أن تصل إلى النجاح الإلكترو-حكومي.
ويقول المؤلف إن أهم إستراتيجيات نجاح الحكومة الإلكترونية يكمن في ضرورة تغيير طريقة التفكير الإدارية في مجال العمل العام بحيث تنتقل تدريجياً من البيروقراطية القاتلة للإبداع إلى الشفافية والاحتراف، مع أهمية دعم كبار رجالات الدولة لعملية إعادة صياغة الحكومة الكلاسيكية من جديد وتبنيهم للتغيير.
ولا ينسى الكاتب أن يشير إلى أهمية أن تصل الحكومة الإلكترونية إلى جميع طبقات المجتمع من الفقراء إلى الأغنياء والتقنيين وغير الملمين بالتكنولوجيا في إطار ما يسميه عملية الاحتواء المجتمعي، وإلا سوف يقتصر النموذج الحكومي الجديد على الأشخاص الضليعين بتقنية المعلومات، ومن الممكن أن يؤدي التطبيق الخاطئ إلى الوقوع في فخ الوبقراطية وهو حكم أصحاب الوب أو الإنترنت حسب ما ورد في الكتاب.
الفصل الثالث “الإطار المرجعي للحكومة الإلكترونية” يقدم إطاراً مرجعياً لتطبيق الحكومات الإلكترونية في البلاد العربية من أجل تسهيل العملية على مديري الإدارة العليا في الحكومة.
ويحاول المؤلف إدخال مفردات جديدة على العمل الحكومي ومنها الخدمات الحكومية البسيطة والمركبة، الأحداث الحياتية والمؤسساتية، كما يعالج دورة حياة الخدمة العامة وصولاً إلى طرح أهمية إدارة المعرفة في الحكومة وتبيان أدواتها وأساليبها.
ويقول في إحدى صفحات هذا الفصل أن طبيعة التركيب العمودية لأنظمة المعلومات داخل الجهاز الحكومي الإداري الواحد بالإضافة إلى تناثرية المسؤوليات بشكل أفقي عبر مؤسسات الدولة مجتمعة تلقي بمسؤولية الكثير من إجراءات الخدمة العامة على المواطن، بينما يجب أن تقع تلك الإجراءات في صلب مسؤولية الدولة.
ويشدد الكاتب على أهمية وجود إطار مرجعي يعتمده مديرو الحكومة الإلكترونية من أجل إطلاق مشاريعهم الإلكترو-حكومية بناءً لمقاييس ومعايير محددة أثبتت نجاحها من خلال تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
ويتوصل إلى أبعاد أربعة تحكم نجاح الحكومة الإلكترونية العربية وهي: البعد المجتمعي، القانوني والتشريعي، الهيكلي والتنظيمي، التقني. ويقول عن البعد القانوني إن العديد من مديري التكنولوجيا يبدؤون بتصميم الخدمة الحكومية الإلكترونية بناءً على ما هو حلال تقنياً والذي قد يكون في حالات كثيرة حراما قانونياً.
ولا يغفل المؤلف عن دراسة بعض النماذج التكنو-مجتمعية الهادفة إلى بناء أنظمة معلوماتية تحاكي حاجات المجتمع ومنها أنظمة الحكومة الإلكترونية، ويشرح في هذا المجال مبادئ التصميم التكنو-مجتمعي ويقوم بربطها بالمبادئ الإلكترو-حكومية.
الأمن المعلوماتي في الحكومة الإلكترونية
الفصل الرابع “الأمن المعلوماتي في الحكومة الإلكترونية”: بعد أن يتم بناء الهيكل الإلكترو-حكومي سوف يصبح من الضروري حمايته من المتطفلين وجماعات التخريب، والحفاظ على خصوصية المواطن، ويروج المؤلف في هذا الفصل لمفهوم “حدود البلاد الالكترونية” والتي يجب المحافظة عليها تماماً مثلما يتم الآن المحافظة على حدود البلاد الجغرافية.
ويتابع بالقول إنه يجب عدم الاستهانة بمسؤولية الأمن المعلوماتي في الدولة وأجهزتها الحكومية واعتبار أنها مسؤولية جزئية من مسؤوليات إحدى الإدارات العامة، وإنما ينبغي دراسة إمكانية تطوير تشكيلات جديدة داخل الحكومة مثل وحدة الأمن المعلوماتي والرقابة الأمنية المعلوماتية من أجل السهر على أمن البلاد الإلكتروني.
ويتطرق هذا الفصل إلى بعض التقنيات والأساليب التي من الممكن أن يعتمدها المهاجمون من أجل إلحاق الأذى بالحكومة الإلكترونية وأنظمتها، كما يسرد بالتفصيل إستراتيجيات الوقاية والدفاع الأمني المعلوماتي، ويختم بنموذج خطة أمنية فرعية للأمن المعلوماتي من ضمن التخطيط الأمني الشامل للبلاد.
ويتابع المؤلف بالقول إن الخطأ المتمثل بعدم معالجة موضوع الأمن الإلكتروني والعمل على إنشاء جهاز مناعة معلوماتي للحكومة قد يؤدي إلى نسف مشروع التحول الإلكتروني من أساسه، وسوف يحدث هذا الخطأ الأمني المعلوماتي مرة واحدة لأنه ببساطة لن يكون هناك مرة ثانية بالنسبة للحكومة الإلكترونية، فقد تكون ثقة الجمهور بالنموذج الإلكترو-حكومي قد أصيبت بزلزال مدمّر.
ويهدف الكتاب، بشكل عام، إلى لفت أنظار رجالات الدولة وقيادات المجتمع الاقتصادي إلى ما يحدث حولنا من تغيرات سوف تقع الحكومات تحت تأثيرها المباشر إن عاجلاً أم آجلاً، وهو يقدم الحكومة الإلكترونية على أساس أنها فرصة جديدة للنظر جذرياً في أساليب الحكم التقليدية، وأحد أهم مبررات التغيير الإيجابي وأدوات التطوير والتنمية.
ويستطرد الكاتب قائلاً إن حكومات البلدان النامية تواجه تحديات حقيقية على جميع الأصعدة الداخلية: فمنها من يعاني مواطنوها من البطالة وآخرون من الجهل وغيرهم من اليأس والمرض وعدم الشعور بالأمن، أما على الصعيد الخارجي فلا تستطيع تلك الحكومات حالياً التحكم بالغزو الثقافي ومارد الإعلام ومدى تأثيره على السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، وهي لم تعد تملك المبادرة في هذا المجال فقد انتقل الإعلام إلى الفضاء بينما بقيت هي على الأرض!
واليوم أيضاً تنتقل الحكومة إلى الفضاء الإلكتروني حيث قواعد اللعبة مختلفة ووسائل الربح والخسارة فيها أشد اختلافا، وهي تفسح المجال أمام رجالات الدولة لتبني النماذج الجديدة وتعطيهم الفرصة الذهبية للنظر جذرياً بأساليب حكمهم من أجل تحقيق رفاهية المواطن والمجتمع وبالتالي ضمان الولاء الحقيقي القائم على حب المواطن للدولة والحكومة وليس على الحلول قصيرة الأمد.
واللافت في الكتاب أنه تمت كتابته باللغة العربية بالرغم من ضحالة المفردات والمصطلحات التقنية والتكنو-سياسية العربية في هذا المجال، ويستنتج المؤلف أن الحكومة الالكترونية العربية تهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة المواطن العربي وهي بالتالي مطالبة بالكلام بلغته العربية.
لذلك كان من الضروري أن يفهم المواطن العربي وعبر لغته الأم معاني وفوائد الحكومة الإلكترونية من أجل الاستفادة منها، والمساهمة في إنجاح الخطط التنموية الحكومية للنهوض بالاقتصاد والرقي بالمجتمع.