تعاني المؤسسات كما البشر من مشاكل التطور الطبيعي والنمو، وتبرز تلك المشاكل بصورة خاصة عندما تحدث تغييرات جذرية في البيئة التي تعيش فيها المؤسسة من دون مبادرة فريق الادارة العليا فيها للأخذ بأسباب الوقاية وتجنب عوامل تقادم المؤسسة وهرمها، فتبدأ عوارض الامراض المؤسساتية بالظهور دافعةً تلك المؤسسة خلف خط المنافسة
وبالتالي حرمانها من تحقيق الارباح المنشودة والفعالية والكفاءة المطلوبتين.
ولكن هل يمكن للإدارة العليا تشخيص تلك الأمراض المؤسساتية عند بداية انتشارها وبالتالي معالجتها قبل أن تستشري داخل الجسم التنظيمي للمؤسسة وتدفع بإنتاجيتها نحو الاسفل وبأرباحها دون المتوقع؟ وما هي عوارض تلك الأمراض وكيف تظهر على المؤسسة؟
من أجل الاجابة على تلك التساؤلات، يبنغي في البداية فهم طبيعة الامراض المؤسساتية وكيف تؤثر سلباً في حياة المؤسسة ومن هم الاشخاص المخولون بتشخيص تلك الامراض وما هو الدواء الشافي لها. في هذه الدراسة نحاول الكشف عن بعض الامراض المؤسساتية الخاصة بالنشاط المعلوماتي للمؤسسة على أمل أن نبحث في أعداد قادمة بعض الامراض المعلوماتية التي تصيب الأفراد.
تعريف المرض المعلوماتي
المرض المعلوماتي المؤسساتي هو أحد العوارض التي تصيب المؤسسة وعادة لا يمكن تشخيص اسبابها بسهولة من دون الفحص الكامل لمنظومة العمل داخل تلك المؤسسة، وينتج عن تلك العوارض أن يتأثر الجسم المؤسساتي بطريقة سلبية وتتضاءل إنتاجيته وبالتالي مقدرته على تحقيق الاهداف الاستراتيجية التي قامت من أجلها المؤسسة. ولخباثة بعض الامراض المعلوماتية فقد لا تستطيع الادارة العليا مهما امتلكت من رؤية ثاقبة للنشاط الاقتصادي الذي تمارسه ومهما امتلكت من خطط استراتيجية أن تحصل على النجاح الذي تبتغيه لأنه وبكل البساطة الخلل يكمن في جسد المؤسسة وليس في أهدافها ومهمتها ومنتجاتها.
وتتراوح الامراض المؤسساتية من تلك المتعلقة بأمراض ضعف تواصل فرق العمل إلى أمراض قصور الرؤية لدى الادارة، وسيكون تركيزنا في هذه المقالة على الامراض المعلوماتية في المؤسسة وهي تلك التي تصيب أقسام وأنظمة المعلومات وتعيق الادارة من الاستفادة القصوى من نماذج العمل الالكتروني.
مرض التفكك المعلوماتي
قد لا تستطيع الوحدات الإدارية في المؤسسة تشخيص مرض التفكك المعلوماتي بمفردها وذلك لأنها تنظر فقط إلى فاعلية وكفاءة الإجراءات التي تقع ضمن إطار مسؤولياتها وتضع تقييمها على هذا الأساس، ومن الممكن في كثير من الأحيان أن تقوم الأنظمة الوحدية (على مستوى الوحدة المؤسساتية الواحدة) بأداء دورها بكفاءة ولكنها في أغلب الأحيان تفشل في زيادة فاعلية المؤسسة كجسم واحد متكامل.
ولمقاربة الموضوع، نأخذ جسم الانسان مثالاً على ذلك، فمن الممكن أن تعمل جميع أعضاء الجسم بطريقة ممتازة على مستوى العضو الواحد ويمكن التبرع بها واستخدامها في جسم آخر، ولكن وجود أي خلل في النظام العصبي الذي يرسل الاشارات بين مختلف الأعضاء قد يؤدي إلى شل وتعطيل الجسم كله مما يؤدي إلى فقدان هذه الأعضاء لقيمتها فيما لو كانت معزولة. إن وجود أنظمة معلوماتية ممتازة داخل وحدات المؤسسة لا يعني بالضرورة أن تلك المؤسسة تعمل بالكفاءة والفاعلية المطلوبتين، ويمثل غياب النظام العصبي المؤسساتي أو وجود عوارض غير صحية في هذا النظام إلى شلّ الانتاجية الفردية والجماعية داخل الجسم التنظيمي لتلك المؤسسة. هذا النظام العصبي يصاب في الكثير من الأحيان بمرض التفكك المعلوماتي والذي نذكر بعض عوارضه فيما يلي:
• تكرار الأعمال: الحاجة إلى إعادة إجراء نفس الأعمال في الوحدات المؤسساتية المختلفة مثل أن يتم إنشاء ملف الموظف في أنظمة الموارد البشرية من أجل متابعة حالته الوظيفية وثم إعادة إنشاؤه في أنظمة المالية من أجل حساب المستحقات المالية لنفس الموظف، وفي حال تم تعديل بيانات الموظف فينبغي إجراء عمليات التعديل في مختلف الأنظمة ومختلف الادارات ذات الصلة.
• ظهور الأخطاء: إن تكرار العمل اليدوي من إدخال بيانات وغيرها سوف يرفع نسبة ظهور الأخطاء في بيانات المؤسسة ويفرض بالتالي إجراء مراجعة نفس البيانات في العديد من الأنظمة المعلوماتية.
• بطء الاستجابة الداخلية: يحدث هذا الأمر عادة عندما تطلب الإدارة العليا للمؤسسة معلومات قد يكون مصدرها عدة أنظمة مجتمعة بحيث لا تحمل بيانات النظام الواحد القيمة الكليّّّة المطلوبة للإدارة العليا، وغالباً ما تعاني إدارة المعلوماتية في المؤسسة من عملية إستخراج وتجميع هذه البيانات من عدة أنظمة. من ناحية أخرى، لا تستجيب الأنظمة تلقائياً لبعضها البعض بالسرعة المطلوبة وغالباً ما تحتاج إلى التدخل البشري من أجل نقل الرسائل فيما بينها مما يؤدي إلى تباطؤ ملحوظ في أداء الأعمال وظهور القصور في التواصل المؤسساتي داخلي/ داخلي.
• بطء الاستجابة الخارجية: تتنوع علاقات المؤسسة مع محيطها الخارجي وتختلف بإختلاف كيانات هذا المحيط، فمن العلاقة مع الجهات الحكومية إلى العلاقة مع مؤسسات الأعمال التجارية والعملاء وصولاً إلى المؤسسات الغير حكومية والجمعيات العامة، وفي أغلب الأحيان تحتاج المؤسسة إلى أن تتواصل معلوماتياً مع تلك الكيانات عبر طلب معلومات والرد على الاستفسارات الواردة وتقديم الخدمات المختلفة.
• التركيب العامودي لأنظمة المعلوماتية: جاء إدخال أنظمة المعلوماتية في المؤسسات بطريقة تدريجية ونظراً لهيكليات المؤسسة القديمة والتي تعود إلى ما قبل عصر المعرفة (الادارة الكلاسيكية) فقد تم تركيب الانظمة المعلوماتية بما يتوافق مع الوحدات الادارية للمؤسسة فكان هناك نظام المالية في قسم المالية ونظام شؤون الافراد خاص بقسم الموارد البشري وهكذا فقد فقدت المؤسسات فرصة تطوير هيكلياتها لكي تمنح الادارة العليا فرصة النظر إلى أصولها المعلوماتية بطريقة مجردة عن هيكلها التنظيمي.
في حال ظهرت العوارض المكورة أعلاه في مؤسستك فمن الأرجح أنها تعاني من مرض التفكك المعلوماتي والذي بالتأكيد سوف يعيق مؤسستك من الاندماج بسلاسة في نشاطات إقتصاد عصر المعرفة.
الوصفة العلاجية لمرض التفكك المعلوماتي
كما في الامراض البشرية، فقد تأخذ الامراض المؤسساتية بعض الوقت لكي يتم الشفاء منها وأول مراحل علاج مرض التفكك المعلوماتي هو تشخيص وجوده داخل المؤسسة والانتباه لمخاطره ثم مرحلة الشفاء والتي تتطلب إعداد تصور معلوماتي للمؤسسة يتيح للإدارة العليا النظر إلى المعلومات حسب طبيعتها وليس حسب الوحدة الادارية التي تقدمها.