إدارة الإجراءات المؤسساتية – الجزء الأول

أظهرت الدراسات الحديثة بأن معظم المؤسسات تهدر عبثاً ما يزيد عن 30 % من الوقت اللازم من أجل تنفيذ إجراءاتها التشغيلية والمؤسساتية، ومع كثرة الإجراءات وتنوعها في معظم المؤسسات يتزايد الوقت المهدور بطريقة تصاعدية وبشكل يؤدي إلى زيادة أكلاف التشغيل والاعتماد على العنصر البشري أكثر مما هو مطلوب.
image053

هذا التراكم من انعدام الكفاءة والفعالية الداخلية، بالإضافة إلى مساهمته في زيادة كلفة تشغيل الأعمال، قد ساعد على خروج الكثير من الإجراءات المؤسساتية عن مساراتها التنظيمية لكي تعتمد بشكل كبير على العنصر البشري وقرار اللحظة الأخيرة (Last Moment Decision) الذي لا يستند إلى معلومات دقيقة في معظم الأحيان. ومن الواضح أن الأنظمة المعلوماتية التي تم بناؤها في المؤسسات كانت تهدف إلى مكننة أو دعم مجموعة معينة من أعمال ووظائف تلك المؤسسات بشكل عامودي بدون الأخذ بعين الاعتبار أهمية ربط هذه الأنظمة أفقياً بحيث تتقاطع مع بعضها البعض إجرائياً وبياناتياً (Process and Data Integration) وتقدم للإدارة فرصة “النظرة الموحّدة” (Unified Visibility) على كامل المنظومة المعلوماتية التي تملكها.

وكما قال مايكل هامر في كتابه الشهير حول إعادة هندسة الإجراءات: “لا يهم كم يجتهد الموظف في أداء عمله إذا كانت سلسلة الإجراءات التي يتبعها تحتوي على عيوب في التصميم”، وأولى تلك العيوب هي عدم وجود إجراءات مؤسساتية واضحة وسهلة الوصول وموثقة.

الإجراءات المؤسساتية
تتميز الإجراءات المؤسساتية عن غيرها من الإجراءات بسعة نطاق تداخلها في مفاصل وأنظمة المؤسسة واجتيازها لحدود النظام الواحد لكي تتقاطع مع العديد من الأنظمة مروراً عبر مفاصل اتخاذ القرار البشرية ووصولاً إلى انتهاء الإجراء والحصول على النتيجة. وعادةً ما يعتمد عمل المؤسسات على مجموعة من الإجراءات التي تتجمع لكي تشكّل عدداً من الوظائف العامة والتي بدورها سوف يتم تجميعها من أجل تشكيل الوحدات الإدارية المختلفة. وعلى سبيل المثال، تحتوي وحدة شؤون الموظفين على وظائف مثل: ترقية موظف، إعداد الرواتب والمستحقات، استقدام الموظفين وغيرها من الوظائف، بدورها تتألف وظيفة ترقية الموظف من عدد من الإجراءات مثل: الحصول على طلب الترقية من المدير المباشر، التأكد من أهلية الموظف للترقية طبقاً للنظام المعمول به، إعداد متطلبات الترقية المالية واحتساب مقدارها، الحصول على موافقة الجهات المختصة وأخيراً تنفيذ الترقية وإعلام الموظف والسلسلة الإدارية المهتمة.
من الواضح أن الكثير من وحدات العمل الصغرية  (Elementary Business Activity) ضمن الإجراء الواحد من الممكن أن تبدأ أو تنتهي خارج حدود الوحدة الإدارية ذاتها، وبالتالي فقد تحدث خارج حدود النظام المعلوماتي الواحد لتتداخل مع أنظمة أخرى. ولتوضيح الفكرة نأخذ المثال السابق حيث ينبغي على سبيل المثال وليس الحصر، بالإضافة إلى الإجراءات العامة التي تقع داخل حدود نظام شؤون العاملين، ينبغي الاتصال بأنظمة الدائرة المالية من أجل تعديل البيانات المترتبة على الترقية ومن الممكن تجاوز حدود النظام مرة أخرى من أجل تعديل أنظمة خدمات العملاء لتغيير المسمّى الوظيفي الجديد للموظف مثلاً. والتعقيدات نفسها وربما أكثر سوف تضطر المؤسسة إلى معالجتها في حالة ترك الموظف لعمله: ينبغي في هذه الحالة تجميد ملف الموظف في عدة أنظمة ومنها أن يتم إلغاء بريده الالكتروني التابع للمؤسسة، تعديل ملفه في نظم شؤون العاملين، إلغاء إمكانية دخوله إلى مباني المؤسسة من نظم الحماية والأمن، وإلى ما هنالك من تشعبات أخرى.

وتتشابه العديد من وظائف المؤسسة مع المثال المذكور آنفاً في حقيقة أن الإجراءات قد تخرج من إطار الوحدة الإدارية الواحدة إلى غيرها، ففي الحالات المثالية ينبغي أن تتواصل جميع وحدات المؤسسة مع بعضها البعض من أجل إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف المؤسساتية ولكن طبيعة التركيب الأفقية للأنظمة المعلوماتية مع اختلاف واجهات التطبيق الظاهرية (Exposed Interfaces) لهذه الأنظمة ينتج عنه ما يسمى بالـ “الجدار المعلوماتي الوهمي” (Virtual Artificial Boundaries) والذي سوف ينتج عنه ظهور عدد من الجزر المعلوماتية الغير مترابطة داخل المؤسسة الواحدة وتؤدي هذه الجزر بدورها إلى انتشار واستفحال مرض التفكك المعلوماتي في الجسم الإداري والإجرائي.

هذه المقاربة في فهم الإجراءات المؤسساتية تقودنا إلى تقسيم الإجراءات إلى عدة مجموعات بحيث تعالج كل مجموعة نشاطات مؤسساتية متقاربة من حيث الوظيفة والأهداف. ونذكر المجموعات الإجرائية التالية:

•    الإجراءات الموضعية
وهي تلك الإجراءات التي لا تخرج عن إطار النظام المعلوماتي الواحد، ونذكر منها إجراء تحضير الرواتب في نظام شؤون الموظفين والذي يعتبر إجراءً موضعياً تابعاً لذلك النظام.

•    الإجراءات المركّبة المؤسساتية
وهي العمليات الإدارية التي تستدعي جهد أكثر من كيان داخلي في المؤسسة من أجل استكمالها، وقد يمثل الكيان في هذه الحالة النظام المعلوماتي أو أحد الموظفين داخل المؤسسة وأحد أمثلة الإجراءات المؤسساتية المركّبة هو نظام استقدام الموظفين حيث تطلب مؤسسة معينة من مؤسسة أخرى إجراء الفحوص الطبية أو اختبار الأهلية وغيرها.

•    الإجراءات العابرة للحدود
من غير المعقول عزل المؤسسة بالكامل عن محيطها التجاري والحكومي على اعتبار أن تلك المؤسسات تمثل كيانات اقتصادية تتفاعل مع محيطها من أجل الاستمرار. هذا الارتباط الوثيق بالمحيط الخارجي يتطلب تكاملاً بياناتياً (على مستوى البيانات) وآخر إجرائياً مع كيانات محيطها. هذا النوع من الإجراءات والذي يعبر حدود المؤسسات الداخلية  ويتم استكماله في مؤسسة صديقة وعودة مسار تنفيذه بعد استكمال الخطوات المطلوبة خارجياً نطلق عليه اسم “الإجراءات العابرة للحدود”.

وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم الوارد أعلاه لا ينظر إلى الإجراءات من حيث طبيعتها التقنية بل من حيث مساراتها عبر هيكلية المؤسسة وكيانات محيطها، ولذلك فمن الممكن أن تتشارك المجموعات الثلاثة الواردة في كونها آلية تماماً، شبه آلية (بحاجة إلى تدخل بشري)، أو يدوية لا يمكن مكننتها.